إنها أمانة! وإنها حلب وليست ألِبّو!

​​
مقالات الدكتور محمد الرشيد عن اللغة العربية

الثلاثاء 16صَفر 1428هـ - 6مارس 2007م - العدد 14134

 

إنها أمانة! وإنها حلب وليست ألِيو!
د.محمد بن أحمد الرشيد
مقالتي تحتاج إلى مقدمة، ثم حقائق، وصولاً إلى المقصود.. أما المقدمة فهي:
اللغة وعاء المعرفة، تحفظها الكتابة لتتوارثها الأجيال، فلا تنطلق مسيرة
اللاحقين من البداية، بل يبنون على ما خلّفه الأسلاف السابقون.

واللغة - كذلك - هي الركن الأول في عملية التفكير، فاللغة للفكر كالأرقام
للحساب؛ فكما أنه لا يمكن أن نتصور عملية حسابية بدون أرقام؛ كذلك
لا يمكننا أن نتصور أفكاراً بدون لغة.

 
واللغة - أيضاً - هي الوسيلة الأولى للتواصل، والتفاهم، والتخاطب، وبثّ
المشاعر والأحاسيس.

هذا القدر من أهمية اللغة مشترك بين بني الإنسان، في كل زمان، ومكان وهو
القدر المشترك بين اللغات كافة، أما اللغة العربية - لغتنا نحن العرب المسلمين
- فتمتاز عن سائر لغات البشر بأنها اللغة التي اختارها الله سبحانه وتعالى لوحيه:
"إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون"، "كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً
لقوم يعلمون". فباللغة العربية - وحدها - نفهم كلام الله سبحانه، وكلام
رسوله، النبي العربي، عليه أفضل الصلاة والسلام، الذي به خُتم الأنبياء، وتم الدين.

إن التعرف على مظاهر الضعف في اللغة العربية وتحديد أسبابه، واقتراح الحلول
العملية لعلاجه، من أهم الموضوعات التي ينبغي أن تركز عليها الجهود،
وتوضع في رأس سلم أولويات التربية والتعليم، وهذا يتطلب مناقشة:
مناهج اللغة العربية ومقرراتها، وخططها، وطرق تدريسها، ووسائلها،
وتقويمها، ومعلميها، ومعايير اختيارهم، وطرق إعدادهم، وتدريبهم،
وتطويرهم، والمشكلات التي يواجهونها، وغير ذلك، وإن هذا العمل -
إذا صلحت النوايا - هو من أعظم العبادات التي تقرب إلى الله، ومن
أوجب الواجبات الوطنية، ومن أكبر حقوق الأجيال القادمة على أبناء اليوم.

إن الشكوى المرة من الضعف العام في اللغة العربية شكوى عامة، لماذا ونحن
نعطيها من الحصص في جداولنا الدراسية المقدار الكافي؟ لماذا إذا فهم
الطلاب قواعد اللغة وحفظوها ينسونها بعد زمن قصير؟ ولماذا إذا
حفظوا لا يستطيعون أن يطبقوا ما تعلّموا؟ مع أن المقصود الأول من
تعلّم القواعد هو صيانة اللسان عن الخطأ، ليكون عوناً على صيانة الفكر
من الزلل؟ ما أسباب هذا الفقر اللغوي: بالمفردات، والتراكيب، وكيفية
استعمالهما الصحيح، ناهيك عن الإبداع فيهما شعراً ونثراً؟

@ أهي المقررات؟ أهم المعلمون؟ أهو بلاء عام تسهم فيه عوامل أخرى

 متعددة؟ أم هو غير ذلك؟ وما هو الدواء الذي يحقق الشفاء؟

@ هل الكتب القديمة التي أثبتت جدواها، وخرّجت الألوف من الطلاب

 على استقامة طيبة في اللسان، ونصاعة في الأسلوب والبيان - ككتاب

 النحو الواضح مثلاً - لم تعد مجدية، وهل كتبنا التي ندرسها في مدارسنا

 الآن خير منها؟

@ هل راعينا في وضع مقرراتنا "أكثر الألفاظ شيوعاً" في المرحلة العمرية

 التي ندرسها، أم استعملنا كلمات تثقل على الطالب، ولا يحتاج إليها؟

@ هل راعينا - أيضاً - أكثر الموضوعات أهمية، فقدّمنا الأهم، وأخّرنا

 المهم، وأكثرنا من التدريبات والتمارين لأنها هي التي تقوّم اللسان، وتكسب

الطالب العادات اللغوية الصحيحة، وتبني لديه الملكة والسليقة؟

@ هل وضعنا في حسباننا أن اللغة العربية ذات صلة وثيقة بغيرها

 من المواد، مثل العلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية، والرياضيات وغيرها؟

@ هل فكرنا في استخدام الحاسب الآلي في تعليم لغتنا، وصممنا لذلك

 البرامج المناسبة، كما فعل أهل بعض اللغات الحية الأخرى؟

هذه بعض الأسئلة التي تساعد الاجابة عنها على الرقي بمستوى اللغة

العربية في تعليمنا العام والجامعي.

 

ومن الأمور البالغة الأهمية أن نُعنى بأن يتحدث المعلمون والطلاب بالفصحى

 منذ مراحل التعليم الأولى، فهناك تجارب أثبتت نجاحها في مراحل التعليم

 المبكر، ولوحظ أنها شجعت الطلاب على القراءة، وحببتهم بها لأنهم

 يتحدثون اللغة التي يقرؤونها، لا لغة أخرى، هي العامية الدارجة، كما لوحظ

 أن من يتمكن من لغته الأم يسهل عليه التمكن من لغة أخرى حين يتعلمها،

 وتجربة بعض مدارسنا التي يتحدث طلابها ومعلموها بالفصحى، تجربة

 جديرة بالدراسة والاستفادة منها.

وبعد: فالمملكة العربية السعودية، التي شرّفها الله بخدمة أقدس البقاع على

 ظهر الأرض، هي الأسوة لكثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها،

ومهد الإسلام، ومنبع العروبة، ولا عذر لأبنائها في التخلي عن مكان

الصدارة في خدمة لغة القرآن: دراسة، وتدريساً، وحديثاً، وكتابة،

وتفكيراً.. فكم من (لغة أم) ماتت حلت محلّها بنات لها لا تعرفهن ولا يعرفنها،

 ولولا كتاب الله العربي الخالد لحل باللغة العربية ما حل بها!

وبعد هذه المقدمة التي أجيب فيها على صديق حاورني حول اخفاقنا في تحقيق

 مستوى جيد في لغتنا، وأنه لا جدوى من الإصرار المستمر على أن تكون

 اللغة العربية هي لغة التدريس في مدارس التعليم العام في بلادنا حكومية

 كانت أو أهلية.

بعد هذا.. واجتناباً لسوء الفهم، أذكر الحقائق الآتية:-

أولاً: أنا من المقتنعين بتعليم اللغة الانجليزية في مدارسنا من مرحلة مبكرة

- كمرحلة رياض الأطفال مثلاً - لأن النتائج العلمية تؤكد الآتي:

1- كلما بدأ الإنسان تعلم لغة ثانية في سن مبكرة كان ذلك أدعى لإتقانه لها.

2- لا خطر على اللغة الأم عند الناشئة حين يتعلمون لغة ثانية في وقت مبكر.

3- اللغة الانجليزية أصبحت أكثر اللغات شيوعاً، وخاصة في مجال العلوم

 والتقنية، واتقانها يسهل التعامل مع معطيات العصر ومخترعاته.

ثانياً: إن اللغة العربية لغة عبقرية في منهجها الأصيل في التجديد والتوليد

 والاشتقاق، قادرة على استيعاب كل جديد.

ثالثاً: إن جميع دول العالم تفاخر بلغتها الأم - مهما كان عدد المتحدثين بها قليلاً

- وهي لغة التعليم لجميع المواد التدريسية عملية كانت أم نظرية وخاصة

 في التعليم العام.

رابعاً: إن سياسة التعليم في المملكة تنص نصاً واضحاً وملزماً على

 "أن لغة التعليم هي اللغة العربية"، إلا ما تقتضي الضرورة أن يكون

 بلغة غيرها، وليس هناك ضرورة على الاطلاق تدعونا أن ندرس أبناءنا

 في مراحل التعليم العام بغيرها.

 

النتيجة:

بعد هذا أصل إلى النتيجة وهي: أن تنظيماً جديداً قد صدر عن وزارة

 التربية والتعليم يقضي - بعد تحقق شروط محددة وردت في ذلك التنظيم

 - بأن للمدارس الأهلية الحق في أن تطبق برامج تعليمية دولية تختلف

 عن منهج التعليم الحكومي في المحتوى، أو الطريقة، أو لغة التعليم باستنثاء

 مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية.

ان اختيار منهج، ومحتوى، وطريقة تتبناها المدارس الأهلية التي تحتضن

بين جنباتها ناشئتنا من الذكور والإناث تختلف كلها عن التعليم الحكومي

 قد يراه البعض مناسباً، وقد يراه البعض الآخر غير ذلك.

 

المقصود:

ان النقطة التي أرى عدم صوابها، وأرجو أن يعاد النظر فيها هي: اعطاء

 الحرية للمدارس الأهلية في اختيار لغة للتعليم غير اللغة العربية، وأعتقد

 أنه واجب ديني ووطني أن تبقى لغتنا الجميلة (اللغة العربية) هي لغة التدريس

 لكل المواد ولكل المواضيع، واني أخشى أن تنقلب مدارسنا الأهلية

 بهذا التنظيم إلى مدارس أجنبية!!

وليتذكر الأمناء على ثقافة مجتمعنا أن اللجوء إلى التعليم بلغة أجنبية هو تعبير

عن شكوك في لغتنا العربية الخالدة بخلود القرآن الكريم وقصورها عن

اللغات الحية الأخرى، وهل نرضى أن نرى أبناءنا لا يجيدون التعبير بها

في أي شأن من شؤون الحياة، وشؤون العلم، ولنتصور أن يسموا القدس

(جروسليم) والقاهرة (كايرو) وحلب (ألبّو)، ولا يعرفون أن كلمة

 (بايولوجي) تعني: علم الأحياء، و(بوتاني) علم النبات، و(سوسيولوجي)

 علم الاجتماع!!

إن دراسة اللغة الانجليزية وإتقانها شيء، والتدريس بها شيء آخر، ولا غنى

 عنها (أو عن أي لغة حيّة أخرى تقاربها) في مسايرة ركب العلم والمعرفة

الإنسانية، ويحسنُ إدخال التعبيرات الاصطلاحية المهمة، والأسماء العلمية،

 والرموز الأجنبية في كتب الدراسة، ووضعها بين قوسين هكذا - مثلاً -.

الغدّة النخامية (pituitary gland).

والعمود الفقري (Vertebral column).

والحبل الشوكي (Spinal cord).

وهكذا...

 

أيها المربون لغتنا العربية أمانة، عززوها في نفوس الأبناء ولا تحملوهم على

 انتقاصها والزهد فيها.

وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها،

 اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.

 

4 تعليقات

 1 

اسباب تدى مستوى العليم العام

 

اثناء الدراسة فى امريكا عام 1980, يدور بيننا كمبتعثين ان عددا

 من الجامعات الامريكية خصصت برنامج فى التربية لدراسة الماجستير

فقط للمبتعثين السعوديين من قبل وزارة المعارف وان النجاح ميسر, حينها

 طرح اكثر من علامة استفهام لماذا فقط السعوديين ؟؟ للاسف

 ان الاجابة على تلك الاستفسارات لم تتضح الا بعد القناعة بفشل التعليم

العام فى المملكة الان.

الامر لايحتاج الى عبقرية للاكتشاف ,فقط قارنوا بين خريجى الجامعات

 الان ,وخريجى معاهد المعلمين سابقا.ان واقع التعليم يتطلب المراجعة

العاجلة فالامر جد خطير لانة يتعلق بالتعليم الذى يبنى علية مستقبل هذة الامة.

ونرجو من الدكتور محمد الرشيد _ الوزير السابق للمعارف _ ان يعطينا راية

 عن اسباب تردى مستوى التعليم فى المملكة وهل لخريجى برنامج الماجستير

المذكور اعلاة دور ؟ لاسيما ان اغلبهم اصبحوا فى مواقع حساسة بالوزارة,

 ونتوقع ان تكون شهادتة مبنية على معايير مهنية ودراسة علمية كما عهدناة.

واذكر معالية بورقة عن التعليم باليابان _ والتى درست فيها _ وقد

 سلمتها لنائبة عندما كان وزيرا ,

 الدكتور خضر القرشى لتسليمها لمعالية. a_allatif@hotmail.com
هـ م
التقييم:

شكرا على تقييمك
تاريخ أخر تحديث:
هل أعجبك محتوى الصفحة *
السبب
السبب
تاريخ أخر تحديث: