هذا ما وجدناه فيه حفظه الله

الكاتب :   أ. صالـح بن رشـيد العضياني

،،

إن الإدارة - وإن كانت عملا يُنجز بإتقان - إلا أنها مهارة لا يجيدها أي شخص وبالتالي هذه المهمة العملية تُعد من أصعب وأثقل المهام على الإطلاق لمن لا يستطيع إشراك المهارة فيها وخلق الإبداع والتميز وإحداث التغيير في البيئة العملية الجماعية.

ولهذا نستطيع القول أن كل ماهـر إداري وليس كل إداري ماهر، نعم فالمعلم مدير إذا أشرك مهارته في ضبط الطلاب أثناء العملية التعليمية، وهو ماهر أيضا إذا قام بحسن إدارته للمواضيع وتفريعاتها وتنويع سبل المشاركة فيها من قبل الطلاب بأسلوب بديع وماهر، ولأن العمليتين الإدارية والتعليمية بينهما رابط مشترك في البيئة الواحدة تحقق النجاح والتميز إذا أدار هذه البيئة من يمتلك المهارة والجودة معا وأنا هنا أعني رجلا رأيت في إدارته التغيير الجذري والتطوير العملي مما غيّر فيَّ وفي كثير من زملائي أمورَ لم تكن لتتغير أو تتطور إذا صح التعبير.

إن فضيلة القائد الماهر الشيخ/ مبارك بن عبيد آل رشـود لم يكن معلما فحسب بل هو إداري مُنجز، يمتلك "كريزما" مختلفة وهكذا هي عائلة "آل رشـود" على مر العهود والقارئ في التاريخ الإداري لهذه العائلة يعلم جيدا أن الإخلاص إذا وجد في قلب المُكلّف بعمل فإنه حتما لا يرضى إلا أن يكون عمله متطور ومُنتج وفعّال.

إنه ليبدو من الصعب جدا أن تدير جمهورا كثيرا للاستماع إليك، وأصعب من ذلك أن يقلدك الجمهور ويتأثر بقولك وعملك دون اي قصد مباشر منك، نعم .. هذا ما وجدناه في الشيخ مبارك حفظه الله، فهو جاء للإدارة وأخبرنا أمرا رهيبا ألا وهو تقنين فن الإدارة بأسلوب لا يبدو تقليديا، أو صعبا على المخلصين، وكذلك ليُجيب على سؤال بارز أثناء قدومه قبل سنتين ( ما معنى الإدارة ؟ )

وفي كل يوم من أيام العمل مع فضيلته نكتشف بعض النور المُضيء ليكشف الإجابة المُنتظرة منذ ذلك اليوم، وما لبث في الإدارة زمنا قصيرا إلا وقد كشف الستار عن الإجابة .. وأخبرنا بالفعل معنى وماهيّة الإدارة الحكيمة.

الشيخ مبارك ،، من المؤثرين بشكل مباشر على مهنتي كمعلم، وأيضا كمكلف في أعمال إدارية سابقة، فهو يشحذ الهمم، ويدفعك للأمام ويكون دائما بالقرب منك إن أخطأت، لا يكاد يغيب تأثيره إن غاب حضوره فيسير العمل كما لو كان هنا بيننا دون أي ضعف أو تباطؤ، إذا حضر كان لحضوره بصمة وأثر، وإن غاب كان لغيابه هيبة وحس، نهتم لأفعاله وقراراته ونتعلم منه الكثير والكثير، ونشعر أن إدارة المعهد في عهده مرت بزمن ذهبي مميز ولا يختلف على حكمي هذا من عمل تحت إدارته وشاهد التغيير المحلوظ والتطوير الملموس.

فمن أبرز الآثـار التي زرعها الشيخ مبارك في نفوس كثير من الزملاء ومنهم كاتبكم، ولا زالت هذه الآثـار تنمو يوما بعد يوم:

1- الثقة بأن العمل الذي ننجزه ليس لأجل إشهاره للآخرين والتغنّي به بل لأجل إتقانه وتحقيق مخرجات ونتائج طيبة.

2- العمل كفريق واحد، يتقدم معا بخطة ثابتة وطريقة مُحكمة أو يتراجع الجميع فلا يتقدم أحد على أحـد !!

3- عدم النقد المباشر، وإضفاء روح الابتسامة النشطة والصادقة مع العاملين في البيئة التعليمية وقمع الملل والخمول والتراجع.

4- مشاركة بعض الكفاءات من المعلمين في بعض القرارات الإدارية وأخذ الملامح العامة بصورة كافية تجعله يتخذ قرارا مناسبا في وقت مناسب لأشخاص مناسبين.

5- إحياء الجوانب الإبداعية لدى المعلمين والإداريين، فيقبل من الجميع الأفكـار ويمحصها ويعيد النظر فيها ويبدي رأيه بكل شفافية ووضوح فيقبل أو يرفض بمهارة وحنكة.

6- يشارك الجميع اهتماماتهم داخل البيئة التعليمية، وإذا حضر كان لحضوره بصمة حيوية تُشعل الأجواء وتزيد من القابلية والإنتاجية لدى المتأثرين بتلك البيئة.

7- لا ملل ولا كلل في رسم خطط قصيرة المدى لتفعيل الجانب الإنتاجي ( فيترك في نفوسنا غالبا ) أمورا تجعلنا نطورها وإن كان غائبا ونعمل بها لأنفسنا والبركة من مصدرها الأول لا الأخـير.

8- قراءة المواهب والإمكانيات قراءة دقيقة لدى المعلمين والإداريين وتوظيفها توظيفا حكيما في خدمة الجانب التطويري في المعهد، مع إحسان اختيار الأكفاء لبعض المهـام، بثقة لا لغرض التجربة والاختبار.

9- مشاركة المنسوبين مناسباتهم السعيدة والحزينة، فيُبارك لهذا قدوم مولوده الجديد، ويُعزي آخـرا في وفاة صديق أو عضيد، فليست الإدارة عنده عمل يُنجز، بل شعـور أخوي مستمر داخل وخارج البيئة التعليمية.


يُعتبر " آل رشـود" المدير الذهبي منذ عهد السابقين من المديرين بحسب قراءتي المُتعمقة في تاريخهم وبحسب ما نقله لي كثير من الزملاء المعاصرين للإدارات الأولى منذ تأسيس هذا المعهد العريق، ولا أجد غضاضة إن قلت أنه من عام 1401هـ لم يجلس على كرسي إدارة المعهد رجل أكثر إدراكا وتفانيا مثله، فهو الوحيد الذي أعلمُ ويعلم الكثيرون مثلي أنه يحضر في غير وقت دوام يُشرف على بعض التجهيزات للمعهد، ويُقدّم مصلحة المعهد وشؤونه على مصالحه الخاصة، ويسخر كل ما يملك من قدرات وإمكانيات لجعل المعهد جاهزا على مدار الزمن الدراسي، ولا يقبل المساومة في ذلك فهو يرى أن الإدارة ليست في وقت العمل فحسب، بل مستمرة لصيقة حتى في الإجازات الرسمية، وأعتقد في تصوري أن مثل هذا النوع من الإداريين المُطورين والمُنجزين قلة وإن وُجدوا فهم يتفاوتون بالإنتاجية لا بالطرق أو السبل أو الخطط المنهجية الخاصة بهم.

وأنا شخصيا لا أحب أن أطلق على الشيخ مبارك إلا بالقائد الذهبي المميز،فهو لا ينتظر مدح مثلي ومثله ممدوح من قبل المدح، وإنما كتبت ذلك بعدما فاضت المشاعر وخرجت على هيئة مقالة صغيرة، فأنا من الذين شرُفتُ بعملي تحت سقف أوامره ونهيـه لفترة ليست بالكافية بالنسبة لي، وأرجو له مزيدا من التوفيق والسداد، وأن يغفر له ذنوبه ويمحو زلاته، وأن يكتب له الخيرة في أمـره، فهو قائد لن يتكرّر، ومثله يُحترم ويُقدّر وذكرُهُ يجب أن لا يُنسى، يُروى ولا يُطوى.

حفظ الله أمثال هذا القائد، وجعلنا وإياه وجميع زملائي المعلمين والإداريين من المخلصين في أعمالهم، غير مالّين ولا كارهين، متقنين ومُتفانين، قادرين ومُنجزين بإذن الله تعالـى.


،

كتبه 

صالح بن رشيد العضياني


التقييم:

شكرا على تقييمك
تاريخ أخر تحديث:
هل أعجبك محتوى الصفحة *
السبب
السبب
تاريخ أخر تحديث: