الـصلاة

الكاتب :   د. محمد الواصـل

​إن القرآن الكريم سيبقى أعظم واعظ لكل مسلم يبغي الفوز بجنته والنجاة من ناره ، وحيث أن الصلاة ركن من أركان الإسلام فقد تعددت الآيات في بيان قدرها وأهميتها ووجوبها، فمن ذلك قول الله تعالى ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) إبراهيم 40، والمراد من هذا الدعاء الذي جاء على لسان إبراهيم عليه السلام، أن يجعله محافظاً عليها مقيماً لحدودها، إنّ التفريطَ في أمر الصلاة من أعظم أسبابِ البلاء والشقاء، ضَنكٌ دنيويّ وعذاب برزخي وعِقاب أخرويّ، قال سبحانه ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا ) مريم:59، ويقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ الرؤيا : ( إنّه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلِق، وإني انطلقتُ معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجِع، وإذَا آخرُ قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه أي- يشق رأسه - فيتدهدَه الحجر ها هنا، فيتبع الحجَر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصحّ رأسُه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثلما فعل المرّةَ الأولى ) قال : (قلت لهما : سبحان الله، ما هاذان؟ فقالا في آخر الحديث إخبارًا لرسول الله عمّا رأى : أمّا الرجل الذي أتيتَ عليه يُثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة ) أخرجه البخاري، فكيفَ تهون عليك صلاتُك وهي رأسُ مالك وبها يصحّ إيمانك، كيف تهون عليك وأنت تقرأ الوعيدَ الشديدَ في قول الله جل وعلا : ( فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) الماعون:4، 5، كيف تتّصف بصفةٍ من صفات المنافقين الذي قال الله عنهم : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء:142 ، وهذه الصلاة لا تسقط عن مكلَّف بحال، ولو في حال الفزع والقتال، ولو في حال المرض والإعياء، يقول تبارك وتعالى ( حَافِظُواْ عَلَى الصلاتِ والصلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) البقرة:238، 239، وقد جاءت الأدلّة الشرعيةُ الصحيحة الصريحة ساطعةً ناصعة متكاثرةً متضافرة على وجوب صلاة الجماعة على الرجال حَضرًا وسفرًا، يقول جل وعلا : ( وَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَآتُواْ الزكاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ) البقرة:43، و- مَعَ - المقتضيةُ للجمعية والمعيّة، تفيد بوجوبها جماعة، ويقول تبارك وتعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وهو في ساحة القتال وشدّة النِّزال : ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ ) النساء102، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (مَن سرّه أن يلقى الله غدًا مسلِمًا فليحافِظ على هؤلاء الصلواتِ حيث يُنادَى بهنّ، فإنّ الله شرع لنبيكم سُننَ الهدى، وإنّهنّ من سُنن الهدى، ولو أنكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنّةَ نبيكم، ولو تركتم سنةَ نبيّكم لضللتم، ولقد رأيتُنا وما يتخلّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقام في الصفّ) أخرجه مسلم، وهذا ابنُ أمّ مكتوم رضي الله عنه وأرضاه يُقبل على رسول الله ويقول : يا رسولَ الله، قد دَبَرت سنِّي ورقّ عظمي وذهب بصري، ولي قائدٌ لا يلايمني قيادُه إيّاي، فهل تجد لي رخصةً أصلّي في بيتي الصلوات، فقال رسول الله : (هل تسمعُ المؤذّن في البيت الذي أنت فيه ) قال : نعم يا رسول الله، قال : ( ما أجدُ لك رُخصةً، ولو يعلَم هذا المتخلِّف عن الصلاةِ في الجماعة ما لهذا الماشي إليها لأتاها ولو حبوًا على يدَيه ورجليه ) أخرجه الطبراني في الكبير، واشتدّ غضبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المتخلِّفين عن جماعةِ المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم ( لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثمّ آمر رجلاً يصلِّي بالناس، ثمّ أنطلِق معي برجال معهم حُزَم من حَطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار ) متفق عليه، ويقول أبو هريرة رضي الله عنه ( لأن تمتلئ أذُنا ابنِ آدم رصاصًا مُذابًا خيرٌ له من أن يسمعَ النداء ولا يجيب ) وتعظُم المصيبة وتكبر الخطيئةُ حين يكون المتخلِّف عن صلاةِ الجماعة ممّن يُقتَدَى بعمله ويُتأسَّى بفِعله، وهي أعظمُ خطرًا وأشدّ ضررًا حين يكون هذا المتخلِّف ممّن ينتسِب إلى العلم وأهله، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ما بال أقوامٍ يتخلّفون عن الصلاة، فيتخلَّف لتخلُّفهم آخرون، لأن يحضروا الصلاة أو لأبعثنَّ عليهم من يجافي رقابَهم ) تلك أدلّةٌ ونصوص لاح الحقُّ في أكنافِها وظهر الهدَى في بيانها، ولقد أفصحَت الرسُل لولا صَمَم القلوب، ووضحتِ السُّبُل لولا كدَر الذنوب، ولقد كثُر المتخلِّفون في زمانِنا هذا عن صلاةِ الجماعة في المساجد، رجالٌ قادرون أقوياء يسمَعون النداءَ صباحَ مساء، فلا يجيبون ولا هم يذّكَّرون، شُغِلوا عن الصلاة بتثمير كسبهم ولهوهم ولعِبهم، وشباب استهوتهم الشياطين في لهو ولعب مستمر، ولو كانوا يجِدون من الصلاة في المساجد كسبًا دنيويًّا ولو حقيرًا دنِيًّا لرأيتم إليها مسرعين ولندائها مذعِنين مُهطِعين، يقول صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدُهم أنّه يجد عرقًا سمينًا أو مِرماتين حسنتين لشهِد العِشاء ) متفق عليه، إن الواجب علينا جميعاً النصح لكل مسلم تكاسل عن الصلاة وتهاون، أن نأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر بالحكمة واللين والموعظة الحسنة، لعل الله أن يُصلح حاله. 


قاله كاتبه

د.محمد بن سليمان الواصل


التقييم:

شكرا على تقييمك
تاريخ أخر تحديث:
هل أعجبك محتوى الصفحة *
السبب
السبب
تاريخ أخر تحديث: