يوم التأسيس

​​​​​​

يوم التأسيس


قبل ثلاث مئة سنة خلت كانت جزيرة العرب زاوية من الكون مظلمة مهجورة ، أهملتها الإمارات الإسلامية المتعاقبة لبُعد شُقتها ، وقلة خراجها ، ووعورة مسالكها ، وخشونة عيشها .

فبقيت كذلك قروناً طويلة قابعة في قعر سحيق من الجهل والجوع ، لا يلوي عليها صديق ، ولا يشفق عليها شفيق .

 حتى نهض بأمرها الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - فشمّر عن ساعد الحزم والعزم ، يصل الليل بالنهار سيراً على صهوة جياد الخيل ، أو رحل النجائب من الإبل .

نهض الإمام محمد بن سعود - رحمه الله-  في مجتمع مزقته الخلافات السياسية ، والنعرات القبلية ، وغرق في ظلمات بعضها فوق بعض من الجهل والجوع  والمرض ، حتى أصبح مضرباً للمثل في ضنك العيش ، وجهد الشقاء ، وطول البلاء .

وفي الثلاثين من جمادى الأولى من عام تسع وثلاثين ومئة وألف أعلن الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - قيام الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية ، متعاقداً مع الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله-  على رفع بنيانها على أسس متينة من العقيدة الإسلامية الصحيحة ، والشريعة المحمدية السمحة .

فترعرعت تلك الدولة الوليدة يصونها السيف والسنان ، ويسقيها العلم والإيمان حتى ملأ نورها ما بين الخافقين وعم نفعها جميع المسلمين في أصقاع الأرض .   

 فلمّ الله به شعث بلاد الحرمين  ، وأصلح به ما فسد من أحوالها ، وألف به بين القلوب المتباغضة ، وقرّب به بين القبائل المتباعدة ، وأمّن به السبل بين الأقطار المترامية .

فانتشر العلم واضمحلّ الجهل ، وعلا منار العقيدة الإسلامية الصحيحة ، ورُفعت راية السنّة النبوية الطاهرة ، وانتشر الخير والرخاء في أرجاء البلاد ، وعمّ نفعه الحاضر والباد ، فلله الحمد وله الشكر .

ثلاث مئة سنة مضت على قيام الدولة السعودية ، قرون طويلة تهاوت دون بلوغها الكثير من الدول التي دالت ثم زالت ، وما ذاك إلا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بتلاحم ابناء هذا الوطن مع ولاة أمرهم جيلاً بعد جيل .

ولا عجب من تلك اللحمة التي قلّ نظيرها من أزمنة متطاولة وقد وطّد وشائجها الدين ، واللسان ، والنسب ، والوطن .

 ثلاثة قرون مضت من عمر الدولة السعودية – زادها الله عزاً وتمكيناً -  وهي حائزة قصب السبق على غيرها من الدول التي قامت على مرّ التاريخ من بعد القرون المفضلة في صفاء العقيدة ، والقيام بأمر الحرمين الشريفين ، والدفاع عن الإسلام وأهله .   

وما زالت هذه الدولة العظيمة نبراساً يُقتدى به في جميع مناحي الحياة ترتقي بالوطن والمواطن صعوداً في سُلّم المجد .

 يحمل رايتها الأماجد من آل سعود كابراً عن كابر من محمد بن سعود المؤسس – رحمه الله – إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله -  يمضون بها قُدماً بين ماضٍ عريق تمتد جذوره في أعماق التاريخ ، وحاضر زاهرٍ مشرق ، ومستقبل يكتنفه الأمل والعمل .

فنسأله سبحانه أن يحفظ هذه الدولة المباركة الدولة السعودية ، ويحفظ ولاة أمرها ، وأن يحفظ لنا أمننا وإيماننا وأن يدفع عنا شر الأشرار ، وكيد الفجّار .

 

                                                                             وكتبه ​

                                                                            ​            د. ممدوح بن مطلق الشمري ​


الخميس 23/07/1443 هـ 24/02/2022 م
التقييم: