المؤتمر الدولي للقضاء والتحكيم يناقش في جلسته الرابعة مجالات القضاء والتحكيم في الشريعة

​ناقش المؤتمر الدولي للقضاء والتحكيم (الواقع والآفاق) مساء أمس في جلسته الرابعة مجالات القضاء والتحكيم في الشريعة، حيث رأس الجلسة وكيل الجامعة لشؤون المعاهد العلمية الدكتور إبراهيم بن محمد قاسم الميمن، بمشاركة كلا من أستاذ القانون المقارن في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور محمود عمر محمود مسعود، وقاضي الاستئناف بديوان المظالم الدكتور خالد بن عبدالله الخضير، والمحاضر بجامعة نجران الدكتور محمد الاحمدي، و أستاذ القانون التجاري بكلية الحقوق بجامعة دار العلوم بالرياض الدكتور حسين شحادة الحسين، وأستاذ الفقه والقضاء الشرعي المساعد بجامعة الجوف الدكتور رأفت بن علي الصعيدي .

وقدم الدكتور محمود عمر محمود مسعود في بداية الجلسة ورقة عمل بعنوان (التحكيم في المسائل الجنائية وأثره الإجرائي) تطرق فيها إلى أن التحكيم هو نظام أو طريق خاص للفصل في المنازعات بين الأفراد والجماعات، حيث أن التحكيم قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية لأنه يعتمد في الأساس على أن أطراف النزاع هم أنفسهم من يختارون قضاتهم بدلاً من الاعتماد على التنظيم القضائي للبلد التي يقيمون بها وتسمى "هيئة التحكيم" .

وأبان أن هيئة التحكيم تتكون من محكم واحد أو أكثر حسبما يتفق الأطراف بمشارطه التحكيم أو في الوثيقة المنظمة للعلاقة التي يتناولها التحكيم ، ويكون التحكيم مصدره الاتفاق المكتوب بين الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين على عرض نزاع محتمل (شرط) أو قائم (مشارطة) في المسائل التي يجوز فيها الصلح على فرد أو أفراد عاديين يختارونهم للفصل فيه إذا ما قبل أو قبلوا .

وأفاد أن التحكيم في الشريعة الإسلامية جائز بالكتاب والسنة والإجماع ، لافتَا إلى أن كل ما يجوز فيه الصلح فانه يجوز فيه التحكيم، حيث أن الصلح في المسائل الجنائية جائز في القانون الوضعي المقارن لأنه تنازل الهيئة الاجتماعية عن حقها في إقامة الدعوى الجنائية ضد المتهم أو عقابه على بعض الجرائم إذا قام بدفع مبلغ من المال خلال فترة معينة فتنقضي الدعوى والمتقاضيين وتوفير الوقت والجهد وضمان تعويض المجني عليه.

وفي ذات السياق قدم الدكتور خالد الخضير ورقة عمل بعنوان ( القضاء والتحكيم في الدعاوى الإدارية في القانون والفقه الإسلامي والنظام السعودي) تناول فيها ما دار بين الرسول صلى الله وسلم عليه وبني العنبر حين انتهبوا الزكاة مستدلاً به على أن هذه الدعوى دعوى إدارية طرفاها الإدارة (الدولة الإسلامية) وأحد المكلفين بدفع الزكاة (بني العنبر)وتدخل في دعاوى الزكوية فهذا الحديث يدل على مشروعية التحكيم في الدعاوى الإدارية، موضحًا أنه لو كان التحكيم غير مشروع في الدعاوى الإدارية في الفقه الإسلامي لما عرض النبي صلى الله عليه وسلم على بني العنبر التحكيم .

وأبان الخضير أن لقاضي المظالم إذا لم يستطع إنهاء النـزاع بالتوفيق في الدعوى الإدارية المعروضة عليه، أن له عرض التحكيم على الطرفين المتنازعين بواسطة الأمناء الذين يمثلون هيئة تحكيم , ولو كان دخول الدولة طرفا في التحكيم في الدعاوى الإدارية غير مشروع، لما عرضه قاضي المظالم عليها وعلى الطرف المتنازع معها في الدعاوى التي تقام أمامه ، وبالتالي فإن الفقه الإسلامي من خلال ما سبق لا يرى أي محظور في دخول الجهة الإدارية طرفا في التحكيم، مما يجعل لجوء الجهات الإدارية لفض الدعاوى الإدارية، أمرًا جائزًا للخصمين بالرد ومشروعًا.

وأشار الدكتور محمد بن عواد الأحمدي في ورقة عمل قدمها بعنوان (اتفاق التحكيم في المنازعات العمالية، دراسة في النظام السعودي) إلى أن اتفاق التحكيم في المنازعات العمالية هو: اتفاق بين صاحب عمل وعامل، يُحال بموجبه إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن العقد، سواء كان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في العقد، أو في صورة مشارطة تحكيم مستقلة.

ولفت الانتباه إلى أنه يجوز أن يتم الاتفاق على التحكيم في المنازعات العمالية من خلال شرط يتضمنه عقد العمل، أو اتفاق لاحق للعقد، وسابق للنزاع، وقد يكون باتفاق الطرفين عليه بعد نشوء النزاع، أو من خلال تبادل المراسلات الموثقة، كما يجوز أن يتم الاتفاق على التحكيم بوسائل الكتابة التقليدية أو الإلكترونية.

ونوه الدكتور حسين شحادة الحسين في ورقة عمل قدمها خلال الجلسة بعنوان( بطلان حكم التحكيم في نظام التحكيم السعودي) إلى أن قسماً من حالات البطلان يرتبط بالنظام العام حيث تقضي المحكمة فيها بالبطلان من تلقاء نفسها اذا تضمن الحكم ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام، أو اتفاق الطرفين، أو إذا كان موضوع ويظهر أن دعوى البطلان لا تعد طريقاً من طرق الطعن أمام محكمة أعلى من المحكمة مصدرة الحكم، بل هي وسيلة قانونية لمراجعة الأحكام المعيبة دون إعطاء محكمة الاستئناف المختصة .

واستطرد في القول إلى أنه بالنسبة لآثار دعوى البطلان فإنه قد يكون منها وقف تنفيذ الحكم، وهو أمر جوازي للمحكمة التي تنظر في دعوى البطلان، حيث رأينا أن من آثار دعوى البطلان أن المحكمة المختصة عندما تحكم بتأييد الحكم فإنها يجب أن تأمر بتنفيذه، ويكون حكمها غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن، أما إذا حكمت ببطلان حكم التحكيم فيكون حكمها قابلاً للطعن خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي للتبليغ.

وقال  الدكتور رأفت بن علي الصعيدي في ورقة قدمها بعنوان ( القضاء والتحكيم في منازعات الأوقاف .. دراسة مقارنة .. ) : إن دعوى الوقف هي قول مقبول أو ما يقوم مقامه في مجلس القضاء يقصد به حماية وقف له أو لمن يمثله، والخصم في دعوى الوقف هو ناظر الوقف ويجوز أن يكون المستحق في حالة مخاصمته للناظر، أو وكيلاً له، أو أن يأذن له القاضي، ويشترط في دعوى الوقف بالإضافة للشروط العامة شروط خاصة في الناظر، وشروط خاصة في إثبات دعوى الوقف.

وأضاف: تقبل دعوى الحسبة في الوقف في الفقه على الراجح وأجاز نظام الهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين ومن في حكمهم للهيئة رفع دعوى الوقف حسبة، كما أجاز قانون الأوقاف الأردني لوزارة الأوقاف رفع دعوى الوقف حسبة ، لافتًا إلى أن المحكمة المختصة موضوعياً بنظر دعوى الوقف في المملكة العربية السعودية هي محكمة الأحوال الشخصية، كما يجوز للمحكمة العامة في حالات النظر في دعوى الأوقاف، أما المحكمة المختصة محلياً بنظر دعوى الأوقاف فهي المحكمة التي يوجد بها العقار أو محكمة الناظر. وفي الأردن المحكمة الشرعية ويجوز للمحكمة النظامية في حالات النظر في دعوى الأوقاف وأما مكانياً فهي المحكمة التي يوجد بدائرتها العقار الموقوف.

وأردف يقول : إن الراجح من أقوال الفقهاء جواز التحكيم في منازعات الأوقاف وهو ما أخذ به القانون الأردني بخلاف السعودي الذي منع التحكيم في منازعات الأوقاف ، موصيًا بسن تشريعات خاصة بدعوى الأوقاف تتناسب مع خصوصية الوقف، ومستنبطة من أقوال الفقهاء ، مع الاهتمام بدراسة دعوى الوقف وأحكامها، وحالات التحكيم في منازعات الأوقاف.

عقب ذلك سلم رئيس الجلسة الدروع التذكارية للمناقشين الذين قدموا أوراق عمل خلال الجلسة .

وفي ختام الجلسة أقامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مأدبة عشاء للمحاضرين والضيوف .

التغطية الإعلامية