وقائع الجلسة الأولى من جلسات المؤتمر الثالث عشر للتعريب ،،،،، التعريب والتوطين : توطين المعرفة والوافد توطين العربية : نموذج مَعْرفي

​برعاية كريمة من معالي الوزير مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ الدكتور فضيلة الشيخ سليمان بن عبد الله أبا الخيل تستضيف الجامعة المؤتمر الثالث عشر للتعريب حيث استهل جلسته الأولى سعادة الدكتور أحمد البنيان عميد معهد الملك عبد الله للترجمة والتعريب مهنئا القيادة الحكيمة بمناسبة اليوم الوطني الثامن والثمانون ومعربا عن شكره وامتنانه لمعالي مدير الجامعة على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر .

الجلسة الأولى تشتمل على 3 ورقات بحثية والتي بدئت بورقة بحث قدمها الدكتور عمر أحمد شيخ الشباب من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث قدم لورقته متحدثا عن واقع التعريب وتوطين العربية في مجالات التعليم في البلدان الناطقة بالعربية مؤكدا على أن اللغة العربية أصل لا يتلاشى في الأوطان العربية إذ هي النص القرآني وتفاسيره والأحاديث النبوية والدراسات حول هذين المجالين. غير أنه يرى تحركاً بطيئاَ منذ مطلع القرن التاسع عشر نحو تطور في المشهد اللغوي العربي ثم وصل إلى نهضة واضحة المعالم في مطلع القرن العشرين ترسخت بعد استقلال البلدان الناطقة بالعربية في النصف الثاني من ذلك القرن. ويرى د. عمر أن التعليم والبحث والمعرفة تحتاج إلى استقرار وأمان ومتابعة متواصلة وأن الجودة المطلوبة هي ليست الجودة على صفحات الحاسب والورق دون معادلٍ موضوعي في الواقع الذي نعيشه.

ثم ذكر أدبيات التعليم باللغة العربية بين موقفين أحدهما لا يرى لهذا الموضوع حظاً في الوجود أو النجاح، والثاني يرى حتمية التعليم والبحث بالعربية، ولكل من الموقفين أسبابه وحججه.

متسائلا: كيف يستقيم الحديث عن "تعريب الإسلام" وكأن الإسلام كان قد نزل أصلاً بلغة غير العربية مطالبا باعتبار الترجمة عملاً علمياً، وإصدار مجلات علمية تتخصص بالترجمة والتعريب، ورفع المردود المادي للمترجمين والمُعَربين مستعرضا في ذلك التاريخ الحافل لممارسة التعريب في شتى البلدان العربية منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر حتى يومنا هذا .

ثم ذكر بأن للإفصاح والفصاحة وجهان. يتجلى الوجه الأول بغياب الإفصاح، أي وجود مئة بالمئة من التعمية؛ أما الوجه الثاني فيظهر في الالتزام بشروط الإفصاح في الترجمة والتعريب .

ثم أكد بأن هنالك نوعان من المعرفة، الأول هو المعرفة بمحتوى وتصنيف التخصصات العلمية وعلاقتها فيما بينها وطرائق البحث والإجراءات العلمية لكل منها. والنوع الثاني يناقش المعرفة من حيث الأسُسِ التي تقوم عليها المعرفة الإنسانيَّة، ويسأل عن كونِها مُمْكِنة وعن حدودها. وينتمي مبدأ المنهج المعرفي المطروح هنا إلى النوع الأول، أيّ المعرفة بمعنى التخصصات العلمية ومناهج البحث فيها ومحتوى التخصصات العلمية وعلاقاته بعضها ببعض، وحقيقة استقلالية كل من التخصصات أو اعتمادها على غيرها

واختتم الدكتور عمر ورقته بتوصيات عدة منها: أن توطين العربية أمر مشروع كما أن توطين اللغة شرط لتوطين المعرفة وأن الاختلاف لا يعني حرية الإفساد وأن التطور والبناء هو الحكم كما أن توطين التعريب يبدأ محليا مؤكدا أنه لا خوف على العربية منها .

بعد ذلك قدمت الدكتورة هدير رفعت أبو النجاة من جامعة الأمير سلطان ورقة بحث بعنوان دور مراكز الترجمة الجامعية في توطين المعرفة وموازنة الهوية . 

إذ أكدت بأن موضوع التعريب هو موضوع قديم جديد لا ينفك الباحثون وعلماء اللغة من إثارته بين الحين والأخر لأهميته في بناء الشخصية الفكرية لأبناء الأمة وعلمائها.

وعلى الرغم من اختلاف حال التعريب والمواقف منه في كل قطر من أقطار الوطن العربي حسب تاريخ وخصوصية كل واحد منها إلا أن مواقف المهتمين بتعريب العلوم لا تكاد تخرج عن موقفين أساسيين وهما الرفض الكامل والقبول التام .

وأن هذه الورقة تعين على الوصول إلى إجابة للسؤال الملح ألا وهو: هل يمكن لمراكز الترجمة الجامعية الأن أن تستعيد الدور العلمي والحضاري والثقافي لبيت الحكمة؟

ثم تحدثت عن حركة الترجمة في الدولة الإسلامية في العصر العباسي والدور الحضاري لبيت الحكمة إذ بدأت ظاهرة الترجمة بقوة من وإلى العربية منذ العقود الأولى للدولة الإسلامية .

وعن الدور الذي لعبه بيت الحكمة كنموذج من نماذج مراكز الترجمة والتعريب بحيث يمكن الاهتداء به ومحاولة تكراره بصورة عصرية في وقتنا الحالي.

وبالتالي أثرت حركة الترجمة تأثيراً إيجابياً على تنشيط مفهوم العلوم عند العربي مما أسهم في الانتقال إلى مرحلة علمية وتاريخية تالية تم فيها الكثير من الابتكارات وازدهار أساليب البحث العلمي الحديث في ذلك الوقت والتأسيس لنشأة العلوم الإسلامية .

ثم عرضت في ورقتها الرهان القائم حول أهمية التعايش الثقافي ودوره في التواجد السلمي بين الشعوب مع الحفاظ على الحيادية واحترام الهويات وكذلك حل إشكاليات التداول والتواصل بين الشعوب وبين الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة في الدولة الواحدة.

وأن أهم تحديات تعريب العلوم في العصر الحالي ما يتم الترويج له بشراسة أن اللغة الإنجليزية هي لغة عالمية وأنها لغة العولمة وهذه المقولة في حد ذاتها نتيجة من نتائج الاستهداف الثقافي فالعولمة تفرض حصاراً على العربية وعلى غيرها من اللغات.

والمعركة اللغوية التي تدور سراً وعلانية بين الإنجليزية واللغات الأخرى تحاول فيها الأولى فرض هيمنتها بوصفها لغة العالم ولغة العلم ولغة التقدم التكنولوجي في القرن الواحد والعشرين بل إنها لغة المستقبل ولها كثير من الأنصار.

ووضعت د. هدير توصيات لبحثها تنص على :

كم الترجمة من العربية، وكيف تكون عمليات ضبط الجودة والقياس المعياري، ثم الأسلوب في توظيف الثورة المعلوماتية وتوحيد المصطلح والدخول في شراكات علمية لتكوين ذاكرا الترجمة .

بعد ذلك قدم د. عبد الهادي محمد عمر تميم من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورقة بعنوان توطين التعريب: المفهوم وأسس التطبيق ذكر فيها بأن التعريب يشكل أهمية قصوى في الحفاظ على هوية الأمة ورفد اللغة العربية؛ لذا وجب علينا العمل على دعم التعريب وتوطينه لاستيعاب المستجدات الحديثة في مجال التقنية والتطور العلمي.

مذكرا بأن معظم الأقطار العربية وقعت تحت الاستعمار الغربي؛ مما أثر على لغتها العربية وثقافتها الإسلامية إذ بدأت الدول العربية تنحو نحو لغتها بعد خروج الاستعمار، وتهتم بتطوير لغتها العربية، وشكَّل التعريب والاهتمام به خطوة كبيرة نحو تعميق الهوية العربية الإسلامية

حيث تم إنشاء أكاديميات للغة العربية في القاهرة، وسوريا، والعراق، والأردن، والسودان، والعراق، وغيرها، كما بدأت كثير من الجامعات الاهتمام بالتعريب والترجمة؛ بل ونشأت المعاهد والمؤسسات لتعمل في مجال البحث والتدريس، بل وتقديم الجوائز، وعمل الورش والمؤتمرات، ومن ذلك مكتب تنسيق التعريب بالمغرب، ومعهد الملك عبد الله للترجمة والتعريب، ومجمع الملك فهد، وغيرها .

ويعرف د. عبد الهادي التعريب :

بعدة تعريفات، ويشمل ذلك التعريف الفني للتعريب، أو التعريف الخاص، والتعريف العام، والتعريف السياسي الديني للتعريب. والتعريب هو إخضاع اللفظ الأجنبي لقواعد وقوانين وأسس اللغة العربية .

أو تحويل اللفظ الأجنبي إلى اللغة العربية؛ بحيث ينطق كما ينطق اللفظ العربي، ومن ذلك تثنيته وجمعه، وإيتاء المصدر منه، وحالة الرفع والنصب والضم والتنوين.

أو أن تتفوه العرب بالاسم الأعجمي على منهاجها، ويشمل هيئة تأسيس البناء وجرس الحروف وغيرها من التعريفات.

أما المعنى العام للتعريب :

وهو ما يعرفه به العاملون في مجال التعليم مثلاً، ويدخل في هذا المعنى كل ما يدعم التعريب في مجال اللغة العربية والثقافة الإسلامية وإدخالهما في المناهج الدراسية وبخاصة لطلاب المجالات العلمية في الهندسة والطب وغيرها. كما يشمل التخطيط اللغوي وتركيز العربية في مجالات العلوم المختلفة.

إذ يأتي المعنى السياسي الديني للتعريب :

وهو ما يعرفه به السياسيون ومن لا يحبون التعريب، ويشمل هذا تحميل كلمة التعريب بمعانٍ تعني أسلمة الحياة، وقولهم إن العربية تأتي بالإسلام وبالثقافة العربية. وخير مثال لذلك ما يتمثل في جنوب السودان أيام الحرب مع شمال السودان قبل انفصال الجنوب والحملة ضد التعريب، ورفضهم للتعريب بأنه يجلب معه الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية؛ إذ إن اللغة العربية ليست وعاءً فارغاً، وإنما هي تأتي بثقافتها - كما يقولون .

ويدخل في هذا التعريف أعداء اللغة العربية كذلك؛ لأنهم يرون أنها مفتاح للدين الإسلامي وللثقافة العربية.

ثم ذكر الفرق بين التعريب والترجمة حيث أن التعريب يقع على اللفظ، ولا يكون إلا من الأعجمية إلى العربية؛ بينما الترجمة تقع على المعنى، وتكون من أي لغة إلى أخرى، وتقع على المعنى؛ سواء أكان كلمة أو جملة أو نصاً أو كتاباً أو معادلة علمية... إلخ .

 ومن أهم التوصيات التي أشار إليها د. عبد الهادي :

1.  دعم ترجمة الكتب العلمية من العربية إلى اللغات الأخرى.

2.  العناية بتدريس مادة تربط المتعلمين العرب في الجامعات

3.  خلق سبل التعاون البناء بين مراكز اللغة.


التغطية الإعلامية