تحتفظ جامعة الإمام بين مقتنياتها النفيسة بمصحفٍ عتيقٍ برقم حفظ (2354/خ ) يُعد أحد أقدم وأبرز الشواهد على تطوّر صناعة المصاحف في العصور الإسلامية المتأخرة. يعود تاريخ نسخ هذا المصحف إلى شهر رجب سنة 785هـ، أي في أوج العصر المملوكي الذي تميّز بازدهار فنون الخط والكتاب، وهو ما ينعكس بوضوح على جماليات هذا المصحف ودقّته.
وقد نُسخ المصحف على يد عبدالحميد بن عبدالسلام، وهو ناسخ ماهر عُرف بإتقان الخط النسخي وضبطه الدقيق. وقد جاء خطه في هذا المصحف مثالًا يُحتذى في جودة النسخ المملوكي، حيث تتسم الحروف بالوضوح والتناسق، مع التزام تام بالتشكيل والضبط، وهو ما كان سائداً في المصاحف الرسمية التي تُعدّ للاقتناء في المدارس الكبرى أو الإهداء إلى الأمراء والعلماء.
ويتميّز المصحف بعددٍ من المواصفات التي تمنحه قيمةً تاريخية وفنية عالية، منها:
- عدد الألواح (الورقات): 426 لوحة
وهو حجم كبير نسبيًا يتناسب مع الأسلوب المملوكي الذي يميل إلى المصاحف الضخمة ذات الورق القوي. - عدد الأسطر في كل صفحة: 11 سطرًا
وهو توزيع يعكس العناية في الموازنة بين اتساع الصفحة وجمال الخط، حيث تمنح قلة الأسطر مجالًا أكبر لإظهار جمالية الحروف. - مقاس الصفحة: 82 × 19 سم
وهو مقاس طويل نوعًا ما، ينسجم مع بعض المصاحف المملوكية التي كانت تُنسخ على ألواح مستطيلة لتسهيل القراءة أثناء الدراسة والتعليم. - الخط: نسخ جيّد مضبوط
الخط النسخي كان الأكثر اعتمادًا في المصاحف بسبب وضوحه وقابليته للضبط الدقيق، ويبدو في هذا المصحف بخاصةٍ بمستوى عالٍ من الاحترافية، مع التزام كامل بأصول الضبط المملوكي.
ويمثّل هذا المصحف وثيقة مهمّة في دراسة:
- تاريخ صناعة المصاحف في العصر المملوكي، وهو عصر شهد تطورًا ملحوظًا في فنون الخط والتذهيب والوراقة.
- مدارس النسخ في القرن الثامن الهجري، حيث برز العديد من النساخ المهرة ممن أغنوا التراث الإسلامي.
- مناهج التعليم الديني في ذلك العصر، إذ تشير مقاييس المصحف وتوزيع أسطره إلى احتمال استخدامه في بيئة تعليمية أو مدرسية.
خاتمة
إن وجود هذا المصحف العريق في مكتبة جامعة الإمام يمثّل ثروة علمية لا تقدر بثمن، فهو ليس مجرد نسخة قديمة من القرآن الكريم، بل شاهد حيّ على براعة الفن الإسلامي في العصور المملوكية، وعلى جهود العلماء والنساخ في خدمة كتاب الله. ويظل هذا المصحف مصدرًا مهمًا للباحثين والمهتمين بتاريخ المخطوطات الإسلامية وفنون الخط العربي.