لا ضرر ولا ضرار

الكاتب :   د. محمد الواصل

بسم الله الرحمن الرحيم

  • لا ضرر ولا ضرار –

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أمّا بعد :

إن الشريعة الإسلامية نهت عن الضر، فلا يحل لمسلم أن يضر أخاه المسلم بقول أو فعل ، وهذا عام في كل حال على كل أحد ، وخصوصًا من له حق متأكد ، فليس له أن يضر بجاره، ولا أن يحدث بملكه ما يضره، وكذلك لا يحل أن يجعل في طرق المسلمين وأسواقهم ما يضر بهم من أخشاب وأحجار أو حفر أو نحو ذلك، إلا ما كان فيه نفعٌ ومصلحة لهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم((من ضارَّ مسلمًا ضارَّه الله))

  •  ما المراد بالضر والضرار :

  • الضر: ضد النفع؛ أي: لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئًا من حقه.

  • الضرار: فعال من الضر؛ أي: لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه.

 فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنْ « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ » وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ« لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ».وقال « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ » هذا الحديث  هو قاعدة عظيمة عند أهل العِلم ، مع قصر ألفاظه واختصار كلماته إلا أنه يشتمل على قواعد ، وليس على قاعدة واحدة  ، وهو يدخل في كثير من الأحكام الشرعية ، ويبيّن السياج المحكم الذي بنته الشريعة لضمان مصالح الناس ، في العاجل والآجل ، ومعنى  « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ » أن الإنسان لا يجوز له أن يضرّ بنفسه ولا بغيره ، فقوله صلى الله عليه وسلم « لاَ ضَرَرَ  » والضرر يكون في البدن ويكون في المال، ويكون في الأولاد، ويكون في المواشي وغيرها ، وقوله صلى الله عليه وسلم « وَلاَ ضِرَارَ » أي ولا مضارة .

  •  الفرق بين الضرر والضرار :

أن الضرر يحصل بدون قصد، والمضارة بقصد، ولهذا جاءت بصيغة المفاعلة ، ومن أمثلة ذلك: رجل له جار وعنده شجرة يسقيها كل يوم، وإذا بالماء يدخل على جاره ويفسد عليه، لكنه لم يعلم، فهذا نسميه ضرراً.

فالمضار لا يرفع ضرره إذا تبين له بل هو قاصده ، وأما الضرر فإنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه ، ومن هنا يتبيّن خطأ من يقع في الموبقات والمهلِكات ، أو يتعاطى السموم  ، ثم يقول : أنا حُـرّ !

هو في الحقيقة ليس حُـرّاً ، فهو مُخطئ من جهتين :

  • الأولى : أنه يظن أنه حُـرّ ، وهو عبدٌ لا ينفكّ عن العبودية ، سواء عبودية لله أم لشهوته .

  • الثانية : أنه أضـرّ بنفسه ، وأضرّ بصحّته ، بل في الغالب يضرّ نفسه ويضرّ غيره .

فالمدخِّن مثلا  يضرّ نسفه ويضرّ غيره ، فيما يُعرف بالتدخين السلبي ، ويضر أطفاله ، سواء في أثناء الحمل أم من خلال الاستنشاق ، ومن هذا الباب فإن العلماء يَحكمُون بالتفريق بين المريض وزوجته إذا كان مرضاً خبيثاً مُنتشراً ، ومن هذا الباب أيضا الحجر الصحِّي الذي سَبَق إليه الإسلام ،فعن أُسَامَة بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا عَنِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا » وكذلك الإضرار بالزوجة جاء النهي عنه ، فمن ذلك أن يُؤذي الزوج زوجته لكي تفتدي منه ، وتردّ إليه ما أعطاها من مهر ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم قَالَ : « إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا طَلَّقَهَا وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا ) فإن المتأمل في هذا الحديث الشريف يتبين له أنه قليل في مبناه ، ولكنه كبير في معناه ، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم ، والمتأمل فيه أيضا يجد أنه يمنع المسلم من إلحاق الضرر بنفسه ، أو بغيره من الناس  ، أو يفعل شيئا  يدخل على غيره ضررا لينتفع  هو به ، وعَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم « مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ » نسأل الله السلامة والعافية .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قاله كاتبه

د. محمد بن سليمان الواصل


التقييم:

شكرا على تقييمك
تاريخ أخر تحديث:
هل أعجبك محتوى الصفحة *
السبب
السبب
تاريخ أخر تحديث: