الغذاء من منظور قرآني

الكاتب :   د. محمد بن سليمان الواصل

بسم الله الرحمن الرحيم

( الغذاء من منظور قرآني )

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد :

فقد خلق الله عز وجل الإنسان واستخلفه في الأرض، وهيأ له من السبل والوسائل ما تعينه على القيام بحقوق العبودية وواجبات الاستحلاف، فجعل له الطيبات من الرزق، والتي من خلالها يتعرف على نعم الله وعطاياه، ويتمكن من التمتع والتطيب إلى جانب التزود بما يحتاجه جسمه من مغذيات، قال تعالى :{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الأعراف 32، وقال سبحانه:{ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الرعد 4، وقد اشتملت آيات القرآن الكريم على ذكر العديد من الأغذية الطيبة التي تمتاز باحتوائها على العناصر الغذائية اللازمة لنمو الجسم وصيانته ووقايته من الأمراض ، ولم يقتصر الأمر على ذكر هذه الأطعمة ، بل تعداه إلى  القَسَم ببعضها، وهو ما يدل دِلالة واضحة على أهمية هذه الأطعمة وفائدتها الغذائية والصحية ، وإلاّ فلم يقسم الله عز وجل بها ، فالعظيم لا يقسم إلا بما هو عظيم ، قال تعالى : {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } التين 1 كما أن القرآن الكريم جعل من الغذاء محطاً للنظر والتفكر وإعمال العقل ، واعتبره آية من آيات الله الدالة على وجوده ووحدانيته ، وذلك من خلال التأمل في مراحل تشكل الغذاء وتكوينه ، بدءاً من نزول الماء من السماء ، ثم تشقق الأرض وخروج النبات ، وانتهاءً بتكون الثمرات باختلاف بأشكالها وألوانها ،  فقال سبحانه:{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً  ،ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً ،فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ،وَعِنَباً وَقَضْباً ،وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ،وَحَدَائِقَ غُلْباً ،وَفَاكِهَةً وَأَبّاً  ،مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } عبس 24،32 ، كما أفرد القرآن الكريم مساحة واسعة من رحابه العطرة للحديث عن الطعام ، ابتداءً من زرعه وإنباته ، وأنواعه وأشكاله ، وانتهاءً بأحكامه وتشريعاته وقوانينه ، إن القرآن الكريم بذلك إنما يلفت أنظارنا إلى أنه أي الغذاء ليس مجرد مواد عضوية وغير عضوية يتناولها الإنسان ليحيى ويبقى، كما يتصور البعض، بل هو أبعد غوراً وأعظم شأواً، فهو ،شأنه أي مفردة من مفردات حياتنا الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو التربوية، مرتبط بعقيدة الإنسان وجزء من ثقافته ومعلم من معالم حضارته وملمح من ملامح هويته، فلا بد إذن من تنظيمه وترشيد النظر إليه وتقنين التعامل معه، بما يحفظ للإنسان بقاءه ويحافظ على هويته وثقافته ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

قاله كاتبه

د . محمد بن سليمان الواصل


التقييم: