كورونا والتدابير الوقائية في ضوء الأحكام الشرعية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فانطلاقا من المقاصد الإسلامية في حفظ الضروريات، وإعمالا للقواعد الفقهية التي بنيت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد؛ قامت الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، باتخاذ التدابير الوقائية المتعلقة بانتشار فيروس كورونا، والتعامل معه في ظل تهديده لحياة كثير من المسلمين القاصدين للحرمين الشريفين. وحفاظا على أرواحهم وحياتهم، وسعيا لعدم انتشار المرض في جميع بلاد المسلمين فقد تم الإيقاف المؤقت لأداء مناسك العمرة وزيارة المسجد النبوي.

وهذا القرار إنما جاء من منطلق شرعي موافق لما عليه فقهاء المسلمين، إذ أنه قد نص الفقهاء بأنه إذا انتشر الوباء قطعا أو تحقق غلبة الظن- من خلال الخبراء المختصين- أن الحجاج والمعتمرين، أو بعضهم قد يصيبهم هذا الوباء بسبب الازدحام؛ فيجوز منع العمرة أو الحج مؤقتاً بمقدار ما يدرأ به المفسدة.

والفقهاء اتفقوا على جواز ترك الحج عند خوف الطريق، بل إن الاستطاعة -لأداء الحج- لن تتحقق إلا مع الأمن والأمان. ولذلك فإن الأمراض الوبائية تعد من الأعذار المبيحة لترك الحج والعمرة بشرط أن يكون الخوف قائما على غلبة الظن بوجود المرض، أو انتشاره بسبب الحج والعمرة.

وفي حال بقاء باب العمرة أو الحج مفتوحا؛ فحينئذ يعود التقدير لولاة أمرنا بمنع أداء حج البلدان التي انتشر فيها؛ خوفاً من نقل الوباء إلى الحجاج والمعتمرين.

ولا يخفى على أحد أن الإسلام يوجب الأخذ بأسباب الوقاية من الوباء فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه -رضي الله عنهم- عن الطاعون وقال: (إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وأنتم بِهَا، فَلا تخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ).

كما يجب أن يفصح عن إصابته كل من شعر بالوباء، وعليه مراجعة الجهات المختصة حتى لا يتسبب بإضرار الآخرين وانتشار الأوبئة.

أسأل الله -جل وعلا- أن يرفع الوباء عن بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى كل خير، وأن يعينهم ويسددهم للتصدي لهذا الوباء، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

د. فهد بن صالح اللحيدان

وكيل الجامعة للشؤون التعليمية

أستاذ كرسي الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي

لدراسات وأبحاث الحرمين الشريفين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


هـ م
التقييم:

شكرا على تقييمك
تاريخ أخر تحديث:
هل أعجبك محتوى الصفحة *
السبب
السبب
تاريخ أخر تحديث: