افتتح معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" الدكتور خالد المحيسن، ومدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالنيابة الدكتور فوزان الفوزان، ظهر اليوم الثلاثاء أعمال منتدى الشراكة المجتمعية في مجال البحث العلمي "النزاهة العلمية"، الذي تنظمه جامعة الإمام بالشراكة مع (نزاهة) خلال الفترة من 16 – 1436/7/17هـ.
واستهل الحفل بكلمة رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى وكيل جامعة الإمام للدراسات العليا والبحث العلمي الدكتور فهد العسكر مستعرضاً مسيرة منتدى الشراكة المجتمعية على امتداد السنوات الثماني التي تشكل عمر المنتدى منذ انطلاقته بثلاثة منتديات تناولت في مجملها واقع الشراكات البحثية المجتمعية وانعكاساتها فكراً وممارسة.. ليأتي هذا المنتدى في دورته الرابعة مستمداً أهميته من أهمية الموضوع الذي يتناوله وهو "النزاهة العلمية" التي تعد أساساً محورياً لكافة تفريعات الحياة وتفصيلاتها.
وقال العسكر في كلمته: إن المساهمات العلمية التي استقبلها المنتدى بلغت أكثر من 100 مشاركة بحثية تم انتخاب ثلاثين بحثاً فقط بعد أن خضعت للتحكيم العلمي وقد تميزت بشمولية تغطيتها لكافة محاور قضية المنتدى الرئيسية المتمثلة في النزاهة العلمية، مبيناً أن المشاركات تتناول في مجملها أوجه الفساد في مجال البحث العلمي وأنواعه وأسبابه بما في ذلك الانتحال والتلفيق والتزوير، وقال: إن المنتدى يحاول وضع الأنظمة واللوائح في تعزيز النزاهة العلمية من خلال دارسة الأنظمة واللوائح التي تحكم إجراء البحوث والدراسات العلمية، والأنماط المتعارف عليها في توثيق المعلومات، إلى جانب استعراض تجارب عدد من الدول والجهات والبرمجيات والتطبيقات الإلكترونية في هذا السياق..
وأضاف الأستاذ الدكتور العسكر: إن المنتدى يناقش محور النزاهة في البحوث والدراسات الموجهة لخدمة الأغراض الحكومية والمجتمعية مثل: دراسات الجدوى، والدراسات التسويقية ودراسات القضايا المجتمعية ونحوها.. كما أنه يستهدف جميع المعنيين بقضية النزاهة العلمية في داخل المملكة وخارجها من الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة إلى جانب نخبة من أبرز القيادات والخبراء الدوليين في مجال النزاهة العلمية وبخاصة الباحثون وأساتذة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في المملكة العربية السعودية وخارجها، والمعنيون في المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.
عقب ذلك ألقى الأستاذ الدكتور محمد رضا واحد الدين نائب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية لشؤون البحث والابتكار كلمة المشاركين بالمنتدى عبر فيها عن شكره لعقد هذا المنتدى الذي يحتل الريادة في مجاله كونه يناقش محوراً علمياً وأخلاقياً وحضارياً غاية في الأهمية، مبيناً أن النزاهة في حقل العلم ترتبط بمعايير متعددة ومتباينة أيضاً تتصل في بعض فروعها بمناهج البحث العلمي وأيضاً مناخات البيئات البحثية والفكرية على امتداد دوائر المعرفة في مختلف بلدان العالم.
بعد ذلك تحدث معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" الدكتور خالد المحيسن في كلمته التي قال فيها إن اختيار "النزاهة العلمية" لتكون المحور للأبحاث وورقات العمل التي ستقدم لمنتدى الشراكة المجتمعية في مجال البحث العلمي يأتي إدراكاً لما تمثله ( النزاهة) من قيمة عليا من قيم مجتمعنا، حث عليها ديننا الحنيف وتبناها ولاة الأمر منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، من خلال الأنظمة التي اتخذت لحماية النزاهة، وتعزيز مفهوم الشفافية للحد من الفساد، بدءاً من البلاغات الملكية الرسمية التي صدرت في بداية التأسيس للحث على التبليغ عن أوجه الفساد وحتى وقتنا الحاضر والتي كان أبرزها إصدار الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد عام 1428ه ومن ثم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عام 1432هـ.
واختتم الحفل الخطابي سعادة مدير جامعة الإمام بالنيابة الدكتور فوزان الفوزان مرحباً بالشراكة مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة"، مستعرضاً جهود الجامعة فيما يتعلق بالتأكيد على ضرورة العمل وفق مقتضيات الأمانة والنزاهة العلمية التي تعد ركيزة البيئة البحثية المكونة للحقل الجامعي، مشيراً إلى البرامج والفعاليات التي تتبناها الجامعة في هذا المجال سواءً للطلاب أو أعضاء هيئة التدريس.
كما رحب في كلمته بالمشاركين في المنتدى من الداخل والخارج، مؤكداً اعتزاز الجامعة بهذه الخطوة ومتمنياً للمنتدى التوفيق والنجاح وأن ينتهي إلى جملة من التوصيات والنتائج القابلة للتطبيق والتفعيل على أرض الواقع ما يحقق الغايات العلمية والأخلاقية والوطنية التي يتطلع إليها الجميع.
وكانت أولى جلسات المنتدى انطلقت في تمام التاسعة صباحاً، برئاسة مدير جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية السابق معالي الأستاذ عبدالعزيز الغامدي، متناولة محور ( أوجه الفساد في مجال البحث العلمي "الأنواع، والأسباب، والانعكاسات")، حيث كشف عميد البحث العلمي بجامعة الملك سعود الدكتور رشود بن محمد الخريف أن الجامعة قد سحبت العديد من البحوث المقدمة من بعض أعضاء هيئة التدريس للترقيات، وإلغاء بعض عقود الأساتذة الوافدين بداعي "النزاهة العلمية" التي على إثرها انشأت جامعة الملك سعود وحدة لمساندة الباحثين وإعطاء رخص لهم للتأكد من صحة أبحاثهم ولوحظ بعد هذا القرار انخفاض كبير في عدد البحوث المسحوبة بسبب الضوابط خلال السنتين الماضيتين.
وأشار إلى إسهامات جامعة الملك سعود في تعزيز النزاهة العلمية، وقال: تولي الجامعات العالمية والمؤسسات العلمية أولوية في الآونة الأخيرة اهتماماً بأخلاقيات البحث العلمي، بهدف إضفاء المصداقية، وتنقية الأجواء العلمية مما قد يشوبها من مخالفات علمية، وتحدث عن جهود جامعة الملك سعود وإسهاماتها في تعزيز النزاهة العلمية، موضحاً الإجراءات التشريعية التي قامت الجامعة بها في هذا المجال وشملت إصدار ميثاق لأخلاقيات البحث العلمي وتشكيل لجان لمتابعة التزام الباحثين بقواعد وأخلاقيات البحث العلمي.
في حين أوضح عضو هيئة التدريس بجامعة تبوك الدكتور رائد مصلح أن المفهوم الخاطئ عن الالتزامات الأخلاقية والنزاهة العلمية يمكن من أجله الوصول إلى أعلى مستوى في السلوك الأخلاقي فيكفي أن يرفض الرشوة بجميع أشكالها.
وسلط الضوء في دراسته حول الالتزامات الأخلاقية والنزاهة العلمية للمهندسين على المبادئ الأخلاقية، مستعرضاً حالات متعددة لايضاح وجهة نظر واسعة من الأخلاق والنزاهة العلمية خاصة ما يتعلق بالتكنولوجيا ومهنة الهندسة.
فيما بين عضو هيئة التدريس بجامعة نجران الدكتور حسن علي دواح أن مشكلة الفساد في البحث العلمي أصبحت مشكلة واسعة في الانتحال والاختلاق والتلفيق للمعلومة العلمية وكل ما هو مشكوك فيه من سوء السلوك، ويتعارض مع النزاهة العلمية للبحوث وغيرها، مبيناً أن تهديدات الفساد ازدادت في مجال البحث العلمي على مدى العقود الثلاثة الماضية وقد مارسه علماء من مختلف أنحاء العالم يعملون في أرقى الجامعات والمؤسسات البحثية، مبيناً أنه قد تم نشر 356 تقريراً في الصحف عن الإخلال بالنزاهة العلمية في الأعوام من 2002-2013م، وجاء معظمها عن بحوث في المجال الطبي وعلم النفس والخلايا الجذعية.
وفيما يتعلق بالتأصيل التأريخي لقضية الفساد العلمي تتبع الدكتور سليمان بن علي عبدالحق عبر مشاركته المعنونة بـ (الانتحال والتزوير في نقل الخبر بين القدماء والمحدثين: دِرَاسَةٌ وصفيّةٌ مقارنة لمعايير النّزاهةِ العلميّة) هذه القضية ليؤكد عمق جذورها التاريخية وأن قضية الانتحال والتزوير في البحث العلمي قديمة قدم نقل الخبر التاريخي أو الأدبي أو الديني وقد سبقت عصر تدوين المعلومات.
أما الجلسة الثانية التي ترأسها مساعد وزير الداخلية للشؤون التقنية الأمير الدكتور بندر بن عبدالله المشاري، فقد بيّن فيها نائب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية لشؤون البحث والابتكار الدكتور محمد رضا، أن المقصد من الابتكار حل المشكلة، وهي أن يخرج بشيء جديد قد يكون منتجاً أو خدمة أو عملية، حيث يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى الازدهار الاجتماعي وتوليد المعرفة وصنع الثروة، كما تكمن أهمية الابتكار في إمكانية أن تعيد النتائج الجديدة في تشكيل الاستيعاب كل ابتكار إلى التساؤل عما إذا كانت هذه النتائج يمكن الوثوق بها أم لا، مبنياً أن الاهتمام بمناقشة العلاقة بين الابتكار والنزاهة العلمية ومقاصد الشريعة في إطار تعزيز النزاهة العلمية من خلال المشاركة المجتمعية.
أما ورقة الدكتور خليل عطية (الفساد الاكاديمي: أسبابه وآثاره وطرق مكافحته، ودروس مستفادة من دول مختارة) فتناولت انعكاسات الفساد العلمي إذ يؤدي الفساد في التعليم وغياب النزاهة العلمية إلى عدة نتائج منها: عجز الخريجين عن إيجاد فرص عمل مما يلحق الضر ر بإمكانيات المجتمع. كما أن الفساد الأكاديمي يرفع تكلفة التعليم ويضر بجودة التعليم العام والخاص، أيضاً يضر التعليم الفاسد بصغار السن ومن ثم يؤثر على استمرار قيمة النزاهة بالنسبة للفرد والمجتمع. كما يضر التعليم الفاسد بحياة المجتمع نتيجة تخرج أطباء ومهندسين وقضاة غير مؤهلين أو مدربين تدريباً جيداً، وكذلك فإن الفساد يضر أكثر بالفئات الفقيرة وغير القادرة على تحمل التكاليف الضمنية للفساد في التعليم.. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدم العدالة في المجتمع، أخيراً فإن الفساد مسؤول عن إهدار الموارد النادرة المخصصة لقطاع التعليم خاصة في أوقات الضيق المالي..
ومن بين أهم المشاركات يأتي بحث الدكتور عبدالعزيز الزوكي الذي قدم مشاركة بحثية تتناول الفساد العلمي في البحوث العلمية في مجال الطب، كاشفاً عن أنها تصل إلى أخذ عينات بيلوجية ( دم / بول / أنسجة ) والاستيلاء عليها دون علم المعمل أو المستشفى لاستخدامها في مجال البحث، يضاف إلى هذا إدخال المرضى في مشاريع بحثية تتطلب موافقتهم واستخدامهم للعلاجات دون أخذ موافقتهم وعدم درايتهم بأنه منخرط في بحث علمي وخاصة في تجارب الأدوية المرخصة لعلاج مثل هذه الحالات المرضية مما يترتب عليها نتائج غير دقيقة لأن المريض غير ملتزم بأخذ الدواء بانتظام أو بالجرعة المطلوبة.